CFS 2001/Inf.6 and Inf.7/Add.1/Rev.1
يناير/كانون الثانى 2001


لجنة الأمن الغذائي العالمي

الدورة السابعة والعشرون

روما، 28/5 - 1/6/2001

التحديات الجديدة التي تواجه تحقيق أهداف
مؤتمر القمة العالمي للأغذية




 

الغرض من هذه الوثيقة هو أن تكون بمثابة تقديم عام للوثيقتين الأساسيتين الأخريين اللتين يجري إعدادهما لمؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد، والمتعلقتين بتعزيز الإرادة السياسية لمكافحة الجوع (CFS/2001:INF6)، وتعبئة الموارد لمكافحة الجوع (CFS/2001:INF7). وتلقي هذه الوثيقة نظرة عامة على القضايا الرئيسية التي تؤثر في الزراعة والأمن الغذائي والتي برزت منذ انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، وتوجز بعض التدابير التي اتخذتها المنظمة وشركاؤها لمعالجة هذه القضايا.

وتقدم مجموعة الوثائق معا إلى لجنة الأمن الغذائي العالمي للعلم ولإتاحة الفرصة لأعضاء اللجنة للإعراب عن وجهات نظرهم إزاء محتوياتها والتي ستراعيها الأمانة لدى إعداد الصيغة النهائية منها لتقديمها كوثائق أساسية لمؤتمر القمة العالمي للأغذية: خمس سنوات بعد الانعقاد.

بيان المحتويات

أولا : المقدمة
ثانيا : الصراعات وحالات الطوارئ
  • ألف - حالات الطوارئ التي من صنع الإنسان
  • باء - الكوارث الطبيعية
  • جيم - الآفات والأمراض العابرة للحدود
  • دال - فيروس المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة.
ثالثا : موارد المياه العذبة
رابعا : تطور التكنولوجيا
خامسا : العولمة والتجارة
سادسا : سلامة الأغذية
سابعا : الحق في الغذاء
ثامنا : ملاحظات ختامية

أولا - مقدمة

1 - أكد القادة الذين اجتمعوا في مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996 "التزامهم الجماعي والوطني بتحقيق الأمن الغذائي للجميع"، واتفقوا على العمل معا نحو تحقيق هدف "تخفيض عدد الذين يعانون من نقص التغذية إلى النصف في موعد أقصاه عام 2015". وتوفر هذه الالتزامات ما أطلق عليه الإطار الاستراتيجي للمنظمة للفترة 2000-2015(1) وصف "نقطة مرجعية جديدة" للمنظمة، وستظل الموضوع الرئيسي لمؤتمر القمة العالمي للأغذية، خمس سنوات بعد الانعقاد.

2 - وكان إعلان روما بشأن الأمن الغذائي العالمي قد وضع الأمن الغذائي(2) ضمن إطار واسع. حيث اعترف "بالطابع متعدد الجوانب للأمن الغذائي"، ويركز على ارتباطه بالقضاء على الفقر، وتحقيق السلام، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، والتجارة النزيهة، وتلافي الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان. وهو يعرف الأمن الغذائي بأنه "تمتع البشر كافة في جميع الأوقات بفرص الحصول من الناحيتين المادية والاقتصادية، على أغذية كافية وسليمة ومغذية". وتحدد خطة العمل التي صدرت عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية، والتي وضعت على أساس الالتزامات السبعة لإعلان روما، 27 هدفا، و182 إجراء مقترحا، تغطي كل مجال تقريبا من المجالات المتصلة بالأمن الغذائي العالمي والإقليمي والقطري والأسري والفردي.

3 - إن التحديات التي تواجه الزراعة، وضمان الأمن الغذائي العالمي، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، هي تحديات متعددة الجوانب ومتشابكة إلى أقصى حد. فالزراعة ترتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة، وهي بالتالي عرضة لتقلباتها. فقد تنعم الطبيعة في سنة من السنوات على العالم بمحاصيل وفيرة عندما تأتي الأمطار بما يلبي احتياجات المحاصيل، وفي السنة التالية مباشرة قد يجوع المزارعون بسبب الجفاف أو الفيضانات أو الأعاصير، أو أسراب الجراد أو انتشار أوبئة نباتية وحيوانية لا علاج لها ولا تعرف حدودا للبلدان. ولكن الزراعة تعني أيضا تسخير الطبيعة من أجل توفير احتياجات البشر، تلك الاحتياجات التي زادت في القرن الماضي بمعدلات خيالية استجابة لمعدلات زيادة السكان غير المسبوقة وزيادة قوتهم الشرائية. وترجع قدرة المزارعين وصيادي الأسماك في العالم على تلبية احتياجات العالم من الأغذية إلى الإنجازات العلمية التي أحدثت ثورة في طرق الإنتاج، وسمحت بالنمو السريع في إنتاجية موارد الأرض والمياه.

4 - ولكن الكيفية التي سخرت بها الطبيعة من خلال الزراعة، أصبحت مصدرا لجدل شديد، وتزايد التساؤل حول استدامة التكنولوجيات التي قام على أساسها تكثيف الزراعة. فقد ثار قلق بشأن تدهور النظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي، والأخطار المحدقة بصحة الإنسان والبيئة والمرتبطة باستخدام المبيدات والأسمدة، وتدهور الأراضي نتيجة الملوحة وانخفاض المادة العضوية فيها، وضيق القاعدة الوراثية للمحاصيل والحيوانات الزراعية، وسلامة المستهلكين فيما يتعلق بالأغذية التي تنتــج في ظـل النظـم عاليـة التكثيـف. كما تزايدت المداولات حول التفاعلات بين الزراعة وعمليات تغير المناخ، التي لا تتأثر بصورة ملموسة بكيفية استخدام الأراضي فحسب، بل وينتظر أن يكون لها تأثيرات خطيرة متزايدة على الزراعة.

5 - وتضطلع التجارة الدولية بدور يتزايد بسرعة في المحافظة على الأمن الغذائي العالمي، حيث تسمح بزراعة السلع أينما سمحت الظروف المحلية بأي ميزات نسبية. ولكن تزايد حركة المنتجات الزراعية حول العالم يخلق أيضا أخطارا جديدة، مثل سرعة انتشار الآفات والأمراض، بما فيها الأمراض التي تنقلها الأغذية والتي تؤثر على البشر. فإذا كانت عولمة الزراعة تعتبر مصدرا لمكاسب مفيدة في مجموعها، فإن كيفية توزيع هذه الفوائد بين المزارعين والمستهلكين، وبين البلدان الفقيرة والبلدان الغنية، أصبحت محور مداولات حادة.

6 - وطوال السنوات الخمس التي انقضت على انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، ظهر الكثير من هذه القضايا بصورة أوضح. فقد جلبت هذه القضايا معها "احتمالات الصراع والاضطرابات الاجتماعية، وأبرزت العديد من القضايا الأخلاقية المحورية بالنسبة للأمن الغذائي، والتنمية الريفية وإدارة الموارد بصورة مستدامة، وكذلك أوجه المفاضلة بين كل هذه الأهداف. ولاشك أن اتخاذ قرار بشأن هذه القضايا المثارة يتطلب تأملا وحوارا وعملا جادا"(3). وطبقا لاختصاصات المنظمة، التي أكدتها من جديد في إعلان كويبك، "بالمساعدة في بناء عالم يستطيع الجميع أن يعيشوا فيه بكرامة، واثقين من أمنهم الغذائي"، تعمل المنظمة بدأب مع الحكومات الأعضاء، والمنظمات الدولية الأخرى، والمجتمع العلمي، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني في عملية التأمل والحوار هذه، بالإضافة إلى القيام بعمل ما قبل كل ذلك. ومعظم هذه المسائل - إن لم يكن كلها - كان سببا للقلق عندما أصدر مؤتمر القمة العالمي للأغذية إعلان روما وخطة العمل، ولكنها اكتسبت قوة متزايدة في السنوات الخمس الأخيرة، وأصبحت تستحق نظرة خاصة في أي دراسة عن المناخ العالمي الذي تعالج في ظله البلدان والمجتمع الدولي مشكلة تنفيذ التزامات مؤتمر القمة.

7 - ورغم أنه من السابق لأوانه تحليل استجابة البلدان أو المنظمات الأخرى إلى هذه التحديات الجديدة أو تلك التي زاد الشعور بحدتها، فإن من الممكن تصور بعض الإجراءات التي اتخذتها المنظمة حتى الآن استجابة لهذه التحديات. فقد زادت المنظمة من تركيزها من خلال عملية التخطيط الاستراتيجي التي بدأتها في أعقاب مؤتمر القمة العالمي للأغذية. ففي الإطار الاستراتيجي 2000-2015(4)، تم تحديد أهم الاتجاهات والقوى التي قد يكون لها تأثيرها على عمل المنظمة، وتم تجميع الأعمال في مجموعات تحت خمس استراتيجيات على مستوى المنظمة، وهي: (ألف) مساهمة في القضاء على انعدام الأمن الغذائي والفقر الريفي؛ (باء) تشجيع وتطوير وتعزيز السياسات والأطر التنظيمية للأغذية والزراعة ومصايد الأسماك والغابات؛ (جيم) إحداث زيادة مستدامة في عرض وإتاحة الأغذية والمنتجات الأخرى من قطاعات المحاصيل والثروة الحيوانية والغابات ومصايد الأسماك؛ (دال) دعم صيانة الموارد الطبيعية للأغذية والزراعة وتحسينها واستخدامها بصورة مستدامة؛ (هاء) تحسين طرق اتخاذ القرارات عن طريق توفير المعلومات والتقديرات، وتبني إدارة المعرفة للأغذية والزراعة.

ثانيا - الصراعات وحالات الطوارئ

8 - إن الكوارث الطبيعية وتلك التي من صنع الإنسان، من الأسباب الرئيسية للوفيات والإصابات ونزوح السكان، كما أن لها أضرارها البالغة على حياة المزارعين وأصولهم، وعلى الإمدادات المحلية والقطرية من الأغذية. وما لم تعالج هذه الكوارث بصورة مناسبة، فإنها قد تسفر عن نقص خطير في الأغذية، وتخلق ظروفا تسمح للمجاعة بأن تحصد أرواح من يتعرضون لها، وتحدث اضطرابا في أسواق الأغذية في العالم. ورغم الدروس الكثيرة المستمدة من التجارب المتعلقة بكيفية التنبؤ بأغلب أنواع الكوارث، ورغم التكنولوجيات الجديدة التي أتاحت الوقت الكافي لإصدار التحذيرات من الأحوال الجوية السيئة، زاد عدد البلدان التي تتعرض للكوارث في كل سنة زيادة رهيبة منذ انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، حيث ارتفع عدد هذه البلدان من 28 بلدا في 1996 إلى 46 بلدا في عام 2000: بل إن هذا الاتجاه يبدو مصحوبا بزيادة حجم الدمار نفسه. وكان الجزء الأكبر من الزيادة في البلدان التي تعرضت إلى كوارث طبيعية (حيث ارتفع العدد من 10 إلى 18 بلدا في كل سنة)، ولكن مدى ارتباط ذلك بتأثيرات تغير المناخ الناجم عن ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالتالي فهي من صنع الإنسان، ليس واضحا. ولكن الاتجاه الأكثر إزعاجا من غيره هو الزيادة الهائلة في عدد البلدان التي تعاني من كوارث من صنع الإنسان، حيث زاد عدد هذه البلدان من خمسة في الثمانينات إلى 22 عام 2000، وكان السبب الرئيسي فيها هو الصراعات. إن حالات الطوارئ التي لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية بارزة، تأتي أيضا نتيجة انتشار الأمراض النباتية والحيوانية، بل ونتيجة الأمراض التي تصيب الإنسان مثل فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والسل والملاريا.

9 - ومن بين نتائج هذه الزيادة الأخيرة في عدد وحجم الكوارث، هو أنها تميل إلى جذب الاهتمام الدولي والقطري، وكذلك جذب الموارد نفسها - إلى أنشطة الحد من الدمار - لتبعد بذلك الاهتمام عن القضايا الأقل مأساوية وإن كانت على نفس الدرجة من الأهمية، حيث تعتبر أقل إلحاحا. ويبدو أن هذا هو الحال بالنسبة لمشكلات الجوع المزمن، ولكن الفشل في معالجة هذه المشكلات بصورة مرضية، هو الذي يجعل أعدادا هائلة من الأسر الفقيرة معرضة دائما للهزات، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان.

ألف - حالات الطوارئ التي من صنع الإنسان

10 - تعتبر المنازعات المصدر الرئيسي للكوارث التي من صنع الإنسان. فهناك عدد من البلدان يتراوح بين 30 و40 بلدا كان مشتركا في منازعات في نهاية القرن العشرين، مما أثر في مئات الملايين من البشر. وقد تركزت الحروب في أقل البلدان نموا في أفريقيا، إلاّ أن التسعينات شهدت أيضا عمليات كبيرة في الشرق الأوسط والبلقان وأمريكا الوسطى وآسيا(5). وظهر اتجاه يبتعد عن الحروب بين البلدان ليتركز على الصراعات داخل البلدان، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى النزوح الجماعي لسكان الريف، ونهب المزارع، وبث الألغام بصورة عشوائية. ولذا فإن الخسائر الاقتصادية وتوقف الإمدادات الغذائية والحصول عليها وخاصة في بلدان الدخل المنخفض قد تكون ضخمة، وقد تصبح عملية انتعاش القطاع الزراعي من الدمار الذي أحدثته الحرب بطيئا بصورة مؤلمة. وتشير التقديرات إلى أن التأثيرات المباشرة على الزراعة (في 23 بلدا تتوافر عنها بيانات) بلغت ما يقرب من 55 مليار دولار فيما بين 1990 و1997، وكانت هذه التأثيرات في السنة الأخيرة تعادل 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من الزراعة في هذه البلدان.

11 - ونظرا لأن الصراعات تنشأ في كثير من الأحيان نتيجة للتنافس على الموارد الشحيحة، فإن الكثير من عمل منظمة الأغذية والزراعة، وخاصة في المجالات التشريعية والقانونية، له انعكاساته على تلافي الصراعات. إذ أن الاتفاقيات الخاصة بتقاسم موارد المياه الدولية، وحقوق الصيد، وتوضيح ترتيبات حيازة الأراضي والتدابير التي تؤدي إلى تعزيز دور المجتمعات المحلية في إدارة الموارد الطبيعية، عوامل تسهم كلها في الحد من التوترات فيما بين البلدان وداخلها.

12 - وكثيرا ما توضع فروق بين الاستجابة لحالات الطوارئ وعمليات الاحياء والتنمية، في حين أنها تشكل جميعا، من الناحية العملية، سلسلة متصلة تتطلب التزاما طويل الأجل من جانب الحكومات والمجتمع الدولي. والخطر الماثل هو أنه بمجرد أن تنزاح الأضواء عن ساحات الحرب الرهيبة وأوضاع ما بعد الصراع، تتزايد صعوبة مواصلة الجهود المبذولة وتعبئة الموارد اللازمة لاستعادة الأمن الغذائي ومواصلة النمو الزراعي، والحيلولة دون وقوع السكان المتضررين في براثن الصراع من جديد.

13 - لقد زادت منظمة الأغذية والزراعة زيادة كبيرة من أعمالها في مجال الطوارئ، وأخذت توسع باطراد هذه الأعمال من مجرد الإمداد بالمدخلات الزراعية بعد الكوارث مباشرة لتشمل عمليات الاحياء الأولى في أوضاع ما بعد الصراعات، وإعادة دمج المحاربين السابقين والمزارعين المشردين في قطاع الزراعة. وارتفعت تسليمات المساعدات الزراعية في حالات الطوارئ من 28 مليون دولار في 1997 إلى 65 مليون دولار في 2000 في أكثر من 50 بلدا مع التركيز بالدرجة الأولى على منطقة البحيرات الكبرى، ووسط غرب أفريقيا، ومع ذلك، فإن حجم المساعدات لا المقدمة من المنظمة فحسب، بل ومن شركائها، مازال صغيرا جدا بالمقارنة بالاحتياجات. وتدير المنظمة أيضا عنصر الزراعة في برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق بالتزامات تزيد على 400 مليون دولار في 2000. وساعدت المنظمة، في عدد من البلدان (مثل هايتي وكمبوديا وأنغولا) الحكومات في استعراض وتوثيق سياساتها الزراعية في أعقاب الاضطرابات السياسية والصراعات الداخلية، بهدف توفير مناخ للسياسات وظروف مؤسسية تؤدي إلى الاستثمار والنمو الزراعي.

باء - الكوارث الطبيعية

14 - شكلت العواصف والفيضانات 60 في المائة من مجموع الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية فيما بين 1990 و1999 مقابل نحو 25 في المائة نتيجة للزلازل والبراكين(6). وفي عام 1998 قدرت الأضرار، التي تعزى بالدرجة الأولى إلى ظاهرتي النينيو والنينيا بنحو 89 مليار دولار، بالإضافة إلى مصرع 000 32 نسمة، وتشريد 300 مليون آخرين بعيدا عن مساكنهم ونظم معيشتهم. وفي غضون السنوات الأخيرة، ضربت العواصف الكبرى والفيضانات الكاسحة الصين وبنغلاديش، وفيتنام وكمبوديا، والهند، وأفريقيا الجنوبية (وخاصة موزامبيق) وأمريكا الوسطى والبحر الكاريبي وفنزويلا. وكانت الفيضانات التي سبقتها أحوال الجفاف سببا كبيرا أيضا للنقص الحاد في الأغذية الذي أثر في أجزاء من القرن الأفريقي في 2000. وظلت البلدان النامية الجزرية الصغيرة معرضة، بصورة خاصة، للكوارث الناشئة عن الأحوال الجوية بالنظر إلى أنها تتخذ طابعا يشمل البلد بأكمله.

15 - وهناك الكثير من الأخطار الطبيعية التي لا تتسبب في حدوث كوارث، فالواقع أن مدى تأثر أوضاع الكوارث بالأحداث الطبيعية يعتبر إلى حد كبير دالة على فعالية نظم الإنذار المبكر، على طبيعة ونطاق النشاط الإنساني وحجم البنية الأساسية والخدمات التي يمكن أن توفر الحماية. فالفقراء في المناطق المكتظة بالسكان في البلدان النامية هم الأكثر عرضة للكوارث الطبيعية، وتشير الدراسات إلى أن تزايد حجم هذه الكوارث إنما يعزى إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسكانية مما يسهم في تدهور البيئة. وعلى العكس من ذلك، وكما أظهر مشروع تديره المنظمة في هندوراس، تتوافر فرص جيدة لتعزيز مقاومة المناطق الريفية المكتظة بالسكان للعواصف والفيضانات الكبرى من خلال العمل مع المجتمعات المحلية على معالجة قضايا إدارة الأراضي وحيازتها، ومن ثم توفير الغطاء الأفضل للتربة فضلا عن الظروف الملائمة لتجميع مياه الأمطار والاحتفاظ بها في مواقعها الطبيعية.

16 - واتساقا مع الالتزام الخامس في خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية، سعت المنظمة بالتعاون مع الوكالات الشريكة، إلى تعزيز القدرات على تلافي الكوارث الطبيعية وغيرها من حالات الطوارئ والاستعداد لها باتباع الخطوط التي حددت في القسم ألف -3 من الإطار الاستراتيجي. وكان معظم التركيز على تعزيز قدرات الإنذار المبكر من خلال تحسين أداء النظم العالمية للإعلام والإنذار المبكر وذلك جزئيا من خلال زيادة عدد بعثات تقدير المحاصيل والإمدادات الغذائية (من 26 في 1994 إلى 36 في 2000، أوفد 70 في المائة منها بالاشتراك مع برنامج الأغذية العالمي). وحدثت زيادة مطردة في حجم عمليات الطوارئ، التي اشترك المدير العام للمنظمة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي في الموافقة عليها بقيمة زادت من نحو 600 مليون دولار سنويا في 1994-1996 إلى مستوى قياسي قدره 1.43 مليار دولار في 2000. واستفاد عدد من السكان يبلغ متوسطه 30 مليون نسمة، في كل سنة من السنوات الأربع الأخيرة في القرن العشرين، من المساعدات الغذائية المقدمة من خلال عمليات الطوارئ.

17 - واتخذت المنظمة تدابير، كجزء من الخطة متوسطة الأجل (2002-2007)، لتعزيز قدراتها على التخطيط بعيد المدى لتلافي الكوارث والتخفيف من وطأتها. ويظهر ذلك بوضوح من خلال الدراسة التي أجراها، بناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة، فريق مهمات مشترك بين الوكالات بشأن استجابة الأمم المتحدة للأمن الغذائي والتنمية الزراعية وما يتصل بذلك من جوانب في الأجل الطويل في القرن الأفريقي(7)، برئاسة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة والتي قدمت له المنظمة خدمات الأمانة. كما تشترك المنظمة بنشاط في تنفيذ اتفاقية مكافحة التصحر والجفاف، باعتبارها عضو في لجنة التيسير وفي الجماعة الاستشارية الفنية للآلية العالمية، وتقوم بعدد من النشاطات المعيارية ذات الصلة بعمل فريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، حيث تدرس على وجه الخصوص دور الغابات والتربة في امتصاص الكربون(8)فضلا عن انعكاسات ارتفاع درجة حرارة الأرض على الدول الساحلية المنخفضة والصغيرة.

جيم - الآفات والأمراض العابرة للحدود

18 - شهدت السنوات القليلة الماضية تصاعدا حادا في وتيرة تفشي الآفات التي تصيب المحاصيل ومخزونات الأغذية وكذلك الثروة الحيوانية. ويتميز الكثير منها بالقدرة على الانتقال السريع عبر مسافات طويلة، وتهديد الأمن الغذائي ومستويات الدخل، بما يؤدي إلى اختلالات في التجارة ويشكل، في بعض الحالات، خطرا على صحة الإنسان. وترتبت تكاليف اقتصادية هائلة عن غزو الجراد الصحراوي والدودة الخضراء على المحاصيل في أفريقيا والشرق الأدنى، أو فيروس تبرقش الكسافا في كافة أنحاء أفريقيا، وحمى الخنازير في هايتي، وحمى الساحل الشرقي في أفريقيا الجنوبية والشرقية، والدودة الحلزونية من العالم الجديد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والحمى القلاعية في المملكة المتحدة ومرض الاعتلال المخي الاسفنجي في الأبقار "جنون البقر في أوروبا.

19 - كما أن آفات المنتجات المخزنة، مثل حفارة الحبوب الكبيرة، التي تنتشر بسرعة حاليا في كافة أجزاء أفريقيا الشرقية والجنوبية عقب إدخالها بصورة عرضية، تهدد بالخطر الأمن الغذائي لعدد كبير من المزارعين الحديين الذين يزرعون الذرة بوصفها محصولا غذائيا أساسيا. والواقع أن خسائر المحاصيل عقب الحصاد من جراء آفات وأمراض التخزين، إضافة إلى التلف في مراحل أخرى من السلسلة الغذائية، تشكل مصدرا هائلا للإهدار في العالم ككل.

20 - وفي حين أمكن تحقيق تقدم طيب في تخفيض معدلات انتشار بعض الأمراض الحيوانية الرئيسية، مثل الطاعون البقري (من المنتظر استئصاله في العالم ككل بحلول عام 2010)، فإن العوامل التي تساعد على انتشار الآفات والأمراض النباتية والحيوانية باتت مواتية بقدر أكبر. ومن بين هذه العوامل الزيادة السريعة في حركة التجارة الدولية والنقل، ولاسيما التجارة العالمية بالنباتات ومنتجاتهما والحيوانات لمسافات بعيدة(9)، وتفاقمها يسبب تصاعد حركة انتقال المنتجات النباتية والحيوانية الحية؛ ومنتجاتها الطازجة وتوسع نطاق النظم الزراعية المكثفة، بما في ذلك الزراعة الأحادية على نطاق واسع وإقامة مناطق مكثفة لتربية الحيوانات ذات الغرض الواحد؛ وتناقص التنوع الوراثي للمحاصيل الأساسية في العالم والتشدد المطرد في القيود المفروضة على استخدام مبيدات معينة كان الاعتماد عليها كبيرا في مكافحة الآفات النباتية المهاجرة وآفات الحبوب المخزنة والمعالجة في مناطق الحجر الصحي على الحدود. ومن شأن أي تغيير جديد في درجات الحرارة والرطوبة ينشأ عن ارتفاع درجات الحرارة في العالم، أن تكون له تأثيرات هامة على انتشار آفات المحاصيل والحشرات الناقلة للأمراض المحصولية والحيوانية. ولقد حالت النزاعات وانهيار الخدمات البيطرية وخدمات وقاية النباتات، في بعض البلدان النامية والبلدان في مرحلة التحول، دون قيام رقابة وافية لهذه الآفات والأمراض.

21 - ومن التطورات التي تبعث على القلق، في الآونة الأخيرة، ظهور أمراض حيوانية جديدة، لا تقتصر فقط على الاعتلال المخي الإسفنجي في الأبقار، بل وتشمل أيضا متلازمة الجهاز التنفسي والتناسلي للخنازير ومرض حصبة الخيول.

22 - وفيما يتعلق بجميع الآفات والأمراض العابرة للحدود، فإن المكافحة والاحتواء عند المنشأ تكلف قليلا وتأتي بنتائج مؤكدة، مقارنة مع الاستجابة لكوارث تفشي الآفات والأمراض. بيد أن هذا يستوجب طرقا جديدة للتعاون المشترك بين البلدان، واستعداد تلك البلدان التي لم تتضرر بعد بآفة أو مرض مدمر محتمل، على الاستثمار في احتواء ومكافحة هذه الآفات والأمراض في البلدان التي توجد فيها.

23 - وكان هذا المنحى في التفكير هو الباعث على إنشاء المنظمة لنظام الوقاية من طوارئ الآفات والأمراض النباتية والحيوانية العابرة للحدود، الذي طرح مبادئ الإنذار المبكر والاستجابة المبكرة والبحوث والتنسيق المساندين، والذي حظي بقبول عالمي واسع. وشملت الأعمال التي قامت بها المنظمة تقديم المساعدة للبلدان للتصدي لحالات تفشي الآفات والأمراض العابرة للحدود (مثل قرادة بونت وحمى الخنازير المعروفة في البحر الكاريبي)، واستحداث نظم المراقبة، وعقد الاجتماعات الفنية وعالية المستوى بشأن مشكلات الأمراض الرئيسية (بما فيها "جنون البقر" والحمى القلاعية)، وتدريب أخصائي الصحة الحيوانية والاضطلاع بدور القيادة في جهود استئصال الطاعون البقري. كما تشمل تقديم المساعدة للدول الأعضاء في إنشاء وتعزيز نظم للإنذار المبكر والمكافحة المبكرة للجراد الصحراوي.

دال - فيروس المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة

24 - يشكل وباء فيروس المناعة البشرية/ متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) خطرا كبيرا على الأمن الغذائي، وعلى الإنتاج الزراعي والنسيج الاجتماعي للمجتمعات الريفية في الكثير من البلدان. ويصل عدد المصابين به في العالم قرابة 36 مليون شخص، منهم 95 في المائة في البلدان النامية منهم 24.5 مليون شخص في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى و4 ملايين شخص في الهند. وتترتب عن الإيدز حالة تردي مطرد في رفاه الأسرة عندما يقع أول بالغ فيها صريع المرض. وتتزايد نفقات الرعاية الصحية، وتنخفض الإنتاجية، وتتراجع الدخول، وتباع الممتلكات، ويترك الأطفال المدارس، بينما تزيد نفقات الجنازة من ثقل أعباء التكاليف التي على الأسر تلبيتها. بيد أن التأثير يمتد أيضا ليشمل مستوى المجتمعات المحلية والمستوى القطري: إذ تنشأ فجوة في الأجيال تؤدي إلى تخفيض القوة العاملة القادرة بدنيا مخلفة رعاية اليتامى، الذين أصابهم المرض بدورهم منذ مولدهم، على عاتق كبار السن. وفي البلدان الأفريقية العشرة الأشد تضررا بالمرض، يتوقع أن تتراوح نسبة الانخفاض في القوة العاملة بين 10 إلى 26 في المائة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الإنتاج الزراعي والنمو الاقتصادي.

25 - وينصب تركيز المنظمة، في المقام الأول، على دمج أبعاد مرض الإيدز، حيثما يكون ملائما، في المبادرات الجارية في مجالات الأمن الغذائي والتغذية والتنمية الزراعية، خاصة من خلال برامجها الميدانية في البلدان المتضررة. وعلى سبيل المثال، أجرت المنظمة عمليات تقييم، في نخبة مختارة من بلدان أفريقيا الشرقية والجنوبية، لتأثيرات مرض الإيدز على مختلف جوانب الزراعة، الأمن الغذائي، والتنمية الريفية، بما في ذلك البحوث المتعلقة بمنظمات الإرشاد الزراعي، العمليات الزراعية ونظم إدارة الثروة الحيوانية. وفي آسيا، يجري بنجاح تطبيق المنهجيات القائمة على المشاركة المتبعة في المدارس الحقلية للمزارعين، وفي برامج الإدارة المتكاملة للآفات، على الوقاية من مرض الإيدز. كذلك تعمل المنظمة على وضع خطوط توجيهية بشأن الرعاية التغذوية المرتكزة على المجتمعات المحلية/الأسر، لمرضى الإيدز والأسر المتضررة. ووقعت في يوليو/تموز 1999 اتفاقية إطارية تعاونية تلزم المنظمة وإدارة الأمم المتحدة المعنية بالإيدز للعمل معا في الاستجابة لقضايا الإيدز المرتبطة بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي. وتنفذ المنظمة وإدارة الأمم المتحدة المعنية بالإيدز، من خلال هذه الاتفاقية، أنشطة مشتركة، منها البرامج المتكاملة للوقاية وتخفيف التأثيرات التي تساعد على نشر المعلومات عن التعرض لمرض الإيدز، وتقليل المخاطر، والترويج للارتقاء بمستوى التغذية والتنمية الريفية المستدامة.

ثالثا - موارد المياه العذبة

26 - ساهمت سلسلة من المؤتمرات الدولية، بما فيها الدورة السادسة للجنة التنمية المستدامة والدورة الثانية للمنتدى العالمي للمياه، في تسليط الضوء على التعارض المتصاعد بين مفهومي "المياه لخدمة الأغذية والتنمية الريفية" و"المياه لأجل الطبيعة". ويرى الكثيرون أن حل هذه الاختلافات بين وجهتي النظر القطاعيتين هي واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه المجتمع في بداية القرن الحادي والعشرين. وكما أظهرت الدراسات التقديرية التي أصدرتها اللجنة العالمية المعنية بالمياه، فإن تزايد التنافس في أوائل القرن الحادي والعشرين حري بأن يزيد من تفاقم مشكلات إمدادات المياه المحلية، وتلوث المياه، وحالات النقص الغذائي الإقليمي، والمعايير البيئية، ما لم تتخذ إجراءات حاسمة لعلاجها. ومن شأن سوء إدارة هذه الأزمة أن يحرم أعداد كبيرة من البشر من الحصول على مياه مأمونة، وأن يعيشوا في ظل ظروف انعدام الأمن الغذائي وتردي أوضاعهم الصحية. وكثيرا ما يكون التنافس على موارد المياه الندرة، خاصة حيثما كانت عبر حدود دولية، مصدرا للنزاعات وقد تؤدي إلى صراعات. كما أن استخلاص المياه الجوفية يتجاوز، بالفعل، معدلات تجددها في الكثير من المناطق التي تعتمد بشكل بالغ على الري، مثل شمال الصين، وبعض أجزاء الهند والكثير من بلدان الشرق الأدن.

27 - ونظرا لأن الزراعة المروية هي المستخدم الأول للمياه المستخلصة من الطبيعة للأغراض الإنسانية، فإن مستقبل الزراعة المروية هو في قلب النقاش الجاري. وتؤكد بعض الجماعات أن الزراعة ستحتاج إلى زيادة تتراوح بين 15 و20 في المائة من موارد المياه لأجل الأمن الغذائي العالمي والقطري. ويرون ضرورة أن تركز الاستراتيجيات القطرية على البدائل التي تقلل من التكاليف البيئية والاجتماعية إلى حدودها الدنيا، في إطار مساعيها لاستخدام المياه لأغراض الزراعة. ويرى آخرون أن التوسع في الري ليس بديلا بالنظر إلى ارتفاع تكاليفه الاجتماعية والبيئية، وأن هناك وسائل أخرى لإنتاج ما يكفي من الغذاء. وجوهر الأمر هو حجم وطبيعة الاستثمارات المحلية والدولية الضرورية لزراعة الأغذية للعدد المتزايد من الناس، وتوفير سبل المعيشة المستدامة لفقراء الريف والحفاظ على نوعية البيئة وسلامتها.

28 - والاستخدامات الاستهلاكية الرئيسية للمياه، هي الاستهلاك الإنساني (9 في المائة)، الصناعة (20 في المائة) والزراعة (71 في المائة). كذلك تؤدي المياه العذبة دورا اقتصاديا هاما في المصايد الداخلية، والملاحة وتوليد الطاقة الكهربائية المائية، إضافة إلى استمرارية التنوع البيولوجي وتخفيف حدة تقلبات المناخ المحلية. وعلى الرغم من أن الري يغطي ما لا يزيد عن 17 في المائة من الأراضي الزراعية، فإنه يوفر نحو 40 في المائة من الإنتاج الغذائي العالميٍ، وسيلعب دورا متزايد الأهمية في ضمان الأمن الغذائي العالمي في المستقبل، تبعا لتضاؤل إمكانيات توسع الحدود الزراعية إلى أراض جديدة. بيد أن معظم الأراضي التي يتيسر ريها بقدر أكبر والكثير من أفضل مواقع تخزين المياه قد تمت تنميتها بالفعل. كما أن هناك انشغالات بيئية واجتماعية هامة بشأن تأثيرات السدود الكبيرة ونظم التحويل الحوضي البيئي.

29 وهناك عدم مساواة في توزيع الأراضي المروية فيما بين الأقاليم. ففي حين أن 42 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة هي أراضي مروية، فإن هذه النسبة تنخفض إلى 31 في المائة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، و14 في المائة في أمريكا اللاتينية، وما لا يزيد عن 4 في المائة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويبلغ المتوسط للأقاليم النامية 27 في المائة.

30 - وواحدة من القنوات لزيادة الإنتاج الزراعي المروي، هي من خلال تحسين إنتاجية مشروعات الري القائمة من زاوية الإنتاج الغذائي للوحدة من المياه المستهلكة. فالوفورات الحالية في كفاءة استخدام المياه منخفضة للغاية (بين 25 إلى 40 في المائة). غير أن هناك متسع لكثير من التحسين. ويمكن رفع كفاءة استخدام المياه في الزراعة من خلال الوسائل التقنية والإدارة. ويستلزم تحقيق هذه التحسينات، في العادة، تعزيز التعاون بين المزارعين فيما يتصل بإدارة وصيانة شبكات الري ونظم تسعير المياه، مما يثبط من معدلات الإهدار. وزيادة على تبديد مورد نادر، فإن الإهدار قد يؤدي إلى تدهور الأراضي، بما في ذلك الملوحة التي أضرت، بالفعل، وبدرجات متفاوتة بأكثر من 30 مليون هكتار وتسببت في خسائر فادحة في الإنتاج.

31 - ويقترح الكثيرون تنمية الري صغير النطاق لتحاشي الخلافات التي تحيط بمشروعات المياه الكبيرة ومشكلات الإدارة المرتبطة بالري على النطاق الكبير. ويشجع الري صغير النطاق ملكية المجتمعات المحلية، ويعتبر طريقة ملائمة لتعبئة الموارد المحلية. وهو زهيد التكاليف وأثبت مرونته في ظل الظروف المناوئة، وتميز بالإنتاجية العالية عندما يكون الإنتاج قريبا من الأسواق ويتمتع المزارعون بإمكانيات التحكم في موارد المياه.

32 - وتحيط بالكثير من المدن، خاصة في أفريقيا، أحزمة خضراء من البساتين عالية الإنتاج. ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة سريعة في الزراعة شبه الحضرية التي توفر، في بعض البلدان، ما يصل إلى 40 في المائة من استهلاك المدن من جميع أنواع الفاكهة والخضر. وتبعا لهذا النمو في الزراعة شبه الحضرية، وتصاعد الطلب على المياه، تحوّل المزارعون بصورة متزايدة في البلدان التي تعاني ندرة المياه، إلى استخدام مياه الصرف غير المعالجة أو المعالجة جزئيا، لإنتاج الخضر. وهو مبعث قلق شديد بالنظر إلى المخاطر الصحية الكبيرة وتأثيراته السلبية على البيئة. وتدعو الحاجة إلى توفير التكنولوجيات الملائمة لمعالجة مياه الصرف، والسلاسل الغذائية المأمونة من المنتجين شبه الحضريين إلى الأسواق المحلية.

33 - وتعالج المنظمة، من خلال أنشطتها المعيارية وبرامجها الميدانية، الكثير من هذه القضايا المعقدة. وتتعاون بشكل وثيق مع البنك الدولي ومراكز الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية وغيرهم من الشركاء، في دعم الأساليب المبتكرة في مجال إدارة موارد المياه وتحسين كفاءة استخدام المياه. وتشارك المنظمة بنشاط بخبراتها الفنية في مجال إدارة موارد المياه وقانون المياه، في العمليات الرامية إلى ضمان إدارة متكافئة لموارد المياه عبر الحدود الدولية. كما تضطلع بدور كبير في مساعدة البلدان الأعضاء في صياغة استراتيجيات قطاع الري وإعداد مشروعات الري - مركزة عادة على التحديث الفني والمؤسسي وتحسين كفاءة استخدام المياه - بغرض تمويلها من قبل مؤسسات التمويل الدولية، وتستحدث طرقا رائدة لزيادة فعالية روابط المنتفعين بالمياه في نظم الإدارة.

رابعا - تطور التكنولوجيا

34 - تشير جميع اسقاطات الإنتاج الزراعي خلال العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين(10)، إلى تعاظم الدور الذي سيؤديه التكثيف الزراعي في تلبية النمو المتوقع في الطلب على الغذاء. فالأصناف المحصولية والسلالات الحيوانية المحسنة، والتوسع في استخدام الأسمدة والمبيدات على نحو كبير، والمعدات الزراعية الأفضل والتحسينات في الرعاية والصحة الحيوانية، ساهمت جميعها بقدر هام في نمو الإنتاج الزراعي والذي لم يقتصر أثره على مجرد الاستجابة لطلبات السكان الذين تضاعف عددهم من 3 مليارات في 1960 إلى 6 مليارات حاليا، بل وهيأ أيضا زيادة متوسط المتناول الغذائي اليومي من 250 2 سعرا حراريا إلى 800 2 سعر حراري. بيد أن المعنيين بشؤون البيئة والمستهلكين يشككون كثيرا في إمكانية استدامة وسلامة الأغذية التي تنتج بفضل نظم الزراعة المكثفة، التي تزايد اعتماد الأمن الغذائي العالمي عليها أكثر فأكثر. ويبدو، على وجه خاص، قلق لدى كل من السلطات المعنية بالبيئة وبالصحة العامة، إزاء الإفراط في استخدام المبيدات والأسمدة على الصحة العامة والبيئة والتنوع البيولوجي. ومن بين العوامل الرئيسية إزاء تلوث موارد المياه في مناطق الزراعة المكثفة جدا في البلدان النامية والمتقدمة، ويعتبر تقلص التنوع الوراثي في الأنواع المحصولية والحيوانية الرئيسية أكثر فأكثر مصدرا لأخطار محتملة. ويأخذ صوت المستهلكين بالارتفاع أكثر فأكثر بشأن المخاطر المحتملة على سلامة الأغذية والناشئة عن مخلفات المبيدات والأمراض التي تنقلها الأغذية والملوثات، وانتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر (أنظر سلامة الأغذية فيما يلي).

35 - ومن المحتم أن تؤدي هذه الانشغالات، في نهاية المطاف، إلى ظهور ابتكارات تؤدي إلى استنباط سبل مستدامة بقدر أكبر لإدارة الأراضي والثروة الحيوانية بصورة مكثفة. ومما لا شك فيه أن غالبية الزيادة في الغلات سيظل مصدرها التحسينات في التكنولوجيات المعروفة والتقليدية، وعلى الأخص التحسينات في كفاءة استخدام المياه، وتحسن متحصل النباتات، والحيوانات من المغذيات، ولا يزال الوصول إلى التكنولوجيات التقليدية يتجاوز قدرات الكثير من المزارعين، حسبما تكشف عنه المستويات المنخفضة جدا لاستخدام الأسمدة في أفريقيا (نحو 19 كلغم للهكتار في السنة مقارنة مع 100 كلغم في شرق آسيا و230 كلغم للهكتار في غرب أوروبا). وتنبع مشكلات الوصول من التنمية المحدودة لتسويق المدخلات والنظم الائتمانية, وارتفاع تكاليف النقل (دالة لرداءة الطرق وصغر حجم التجارة) والافتقار التام، في حالة المزارعين الحديين، إلى الدخل اللازم لشراء المدخلات.

36 - ومن سبل الاستجابة لهذه الأوضاع، والتي تحظى بعناية خاصة من قبل المنظمة والبنك الدولي والشركاء الدوليين الآخرين في مبادرة مرفق التربة لأفريقيا، هي إيجاد طرق بديلة للمحافظة على إنتاجية التربة تعتمد، بقدر أقل، على استخدام المدخلات الخارجية المشتراة. وتشمل طرق تكثيف استخدام الأراضي، من خلال الدورة المحصولية ونظم الزراعة المختلطة بالغابات والرامية إلى تعزيز تثبيت الأزوت البيولوجي، إضافة إلى نظم المحاصيل والحيوانات المتكاملة. وفي البلدان التي لا يمثل فيها توافر المدخلات معوقا كبيرا، فإن التركيز ينصب بصورة متزايدة على تغيرات التكنولوجيا التي تزيد من إنتاجية العمالة، مثل نظم الحد الأدنى من الحرث، التي تمكن الأسرة من إبقاء مساحة كبيرة من الأرض تحت الزراعة. وفي نفس الوقت، قد يتحقق مزيد من النمو في الزراعة العضوية استجابة لانشغال المستهلكين إزاء ما يتصورون من مخاطر ترتبط بنظم الزراعة القائمة على الاستخدام المكثف للمدخلات الكيميائية. والزراعة العضوية التي بدأت، في الأصل، كحزمة عضوية استجابة لطلب المستهلكين واستعدادهم على دفع أسعار عالية للمنتجات العضوية، تشهد الآن تسابق عدد من الحكومات على دعم توسعها باعتبارها لا تضر بالبيئة وإمكانية استدامتها. وتساهم المنظمة في الحوار الدولي الدائر بشأن الزراعة العضوية، وقدمت مؤخرا تقريرا عن عملها في هذا المضمار إلى لجنة الزراعة(11).

37 - وتشمل مشكلات المبيدات، خاصة في البلدان النامية، حالات التسمم والتأثيرات السلبية على البيئة. وكثيرا ما تعاني البلدان النامية من قصور التشريعات واللوائح لديها، ونقص القدرات على اتخاذ القرارات عن علم، وضعف إنفاذ اللوائح، بما فيها رقابة الواردات، وعدم الرقابة على نظم التوزيع والافتقار إلى المعارف والفهم، وعلى الأخص على مستوى الإرشاد والمزارعين. وتوفر مدونة السلوك بشأن توزيع واستعمال المبيدات لدى المنظمة، التوجيه العام بشأن إدارة المبيدات. كما أن اتفاقية روتردام لإجراءات الموافقة المسبقة عن علم بشأن مواد كيميائية ومبيدات خطرة معينة في التجارة الدولية، التي أقرت عام 1998، ويشترك برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة في توفير خدمات الأمانة لها، تشجع على تقاسم المسؤوليات فيما بين البلدان في مجال التجارة الدولية بمواد كيميائية خطرة معينة، بما فيها المبيدات، بأحكام تتعلق بعملية صنع القرار القطري بشأن استيرادها وتصديرها، وبنشر هذه القرارات. كذلك تقوم المنظمة وشركاؤها، من خلال برنامج الإدارة المتكاملة للآفات لدى المنظمة والمرفق العالمي للإدارة المتكاملة للآفات، بتدعيم البرامج الرامية إلى تحقيق فهم أفضل للعلاقات بين المحاصيل والآفات في أوساط صانعي السياسات والعلماء وفي أوساط المزارعين لأجل اتخاذ قرارات تقلل من الاعتماد على المبيدات إلى المستوى الضروري بالفعل.

38 - وعلّقت آمال عريضة على التطبيقات الحالية للتكنولوجيا الحيوية، وعلى الأخص زراعة الأنسجة النباتية (وهي راسخة بالفعل في القطاع الحرجي وزراعة الأزهار) واستخدام الواسمات الجزيئية والتحوير الوراثي للكائنات الزراعية، باستخدام تقنيات ترابط الدنا للتغلب على الكثير من مشكلات البيئة والسلامة المستمرة والمرتبطة بالإنتاج الزراعي المكثف. ومن المتوخي ألا تقتصر المساهمات الممكنة للحلول المستمدة من التكنولوجيا الحيوية على تحسين مقاومة النباتات للآفات والأمراض فحسب، بل وفي إيجاد حلول مبتكرة أيضا لمكافحة الإجهاد الناشئ عن الجفاف وانخفاض الخصوبة. كذلك توفر التكنولوجيا الحيوية تطبيقات مفيدة في تشخيص الأمراض(12). وجنبا إلى جنب مع التكنولوجيا التقليدية، بما فيها تلك المرتكزة على المعارف المحلية، فإن هذه التطورات الجديدة في التكنولوجيا الحيوية تنطوي على إمكانيات كبيرة لتوسيع نطاق الخيارات المتاحة للمزارعين في جميع أقاليم العالم فيما يتعلق بزيادة إنتاجية نظمهم الزراعية واستدامتها. بيد أن الشكوك والمخاطر المرتبطة بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية أدت إلى معارضة واسعة من المستهلكين والمعنيين بشؤون البيئة، خاصة في البلدان المتقدمة، لاستخدام التحوير الوراثي في إنتاج المحاصيل وتربية الحيوانات، مما أثر على وتيرة البحوث في هذا الاتجاه.

39 - بافتراض إرساء ضمانات مرضية وتطبيقها لأجل الحد من المخاطر التي تتهدد صحة النبات والحيوان والإنسان (مخاطر السلامة البيولوجية)، فإن القضية الرئيسية الناشئة هي مدى انتفاع المزارعين، وخاصة صغار المزارعين في البلدان النامية، بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية الجديدة. ونظرا لأن معظم بحوث التكنولوجيا الحيوية الحالية يجريها القطاع الخاص، فإنها مدفوعة بشكل قوي بعوامل السوق وبالتالي تسند أولوية منخفضة للتطبيقات التي تهم البلدان النامية، حيث القوى الشرائية للمزارعين محدودة ومن المشكوك فيه إمكانية إنفاذ حقوق المربين. كما تحد من إمكانيات البلدان النامية في الحصول عليها، زيادة على ذلك، أحكام اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الجوانب من حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة، التي تضمن مصالح مصادر التكنولوجيات الجديدة من خلال براءات الاختراع. وتتمثل واحدة من انعكاسات هذا الوضع، في أن معظم جهود تطوير التكنولوجيا الحيوية لصالح البلدان النامية لابد من رعايتها، والأرجح الاضطلاع بها أيضا، من قبل القطاع العام، بما في ذلك مراكز البحوث الزراعية الدولية التي تعمل ضمن نطاق الجماعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية.

40 - وهناك، بلا شك، منافع ومخاطر وشكوك ترتبط بالجيل الجديد من التكنولوجيا الحيوية. وترى المنظمة دورها في هذه المرحلة باعتباره، في المقام الأول، دور الموجه لقيام حوار بناء بشأن القضايا مثار الخلاف التي تحيط بالكائنات المحورة وراثيا(13)، وفي تبادل المعلومات ومساعدة دولها الأعضاء على صياغة سياسات وقوانين تحترم تتعلق بالكائنات المحورة وراثيا. وتأكيدا على ذلك، أنشأت منتدى إلكترونيا يعني بالتكنولوجيا الحيوية، وساهمت في الكثير من المؤتمرات الدولية بشأن هذا الموضوع، مركزة بوجه خاص على السلامة البيولوجية وجوانب سلامة الأغذية أيضا(14). ومخاطر آفات النباتات المرتبطة بالكائنات الحية المحورة ومنتجات التكنولوجيا الحيوية الأخرى، هي موضع اهتمام خاص لأمانة الاتفاقية الدولية لوقاية النباتات، التي توفر خدماتها المنظمة. وفيما يخص سلامة الأغذية، فإن المنظمة تعمل حاليا بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية، من خلال هيئة الدستور الغذائي الحكومية الدولية، على وضع مبادئ وخطوط توجيهية لتقدير المخاطر فيما يتصل بتقييم سلامة الأغذية المستمدة من التكنولوجيات الحيوية. علاوة على ذلك، تروج المنظمة حاليا لوضع مدونة سلوك بشأن التكنولوجيا الحيوية، والاعتراف بحقوق المزارعين على الموارد الوراثية النباتية باعتبارها مكملة لحقوق مربي النباتات، حيث ينصب القصد من ذلك في ضمان التقاسم العادل والمتكافئ، على نحو أكبر، للمنافع الناشئة عن الإنجازات التكنولوجية الحيوية.

خامسا - العولمة والتجارة

41 - مع نمو العولمة خلال السنوات القليلة الماضية، زاد التركيز أكثر على التجارة الدولية في الأغذية والزراعة، مثلما تزايد الوعي بأهمية ضمان توافر إمدادات كافية من السلع العامة العالمية لضمان الأمن الغذائي العالمي على المدى الطويل، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. وفيما يتعلق بالأغذية والزراعة، هناك اعتراف بالحاجة الإضافية للصيانة والاستخدام المستدام بصورة أكبر لهذه السلع العالمية المشتركة، مثل الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، والمخزونات السمكية البحرية، إضافة إلى معالجة الاعتماد المتبادل بين الزراعة وتغير المناخ.

42 - وفيما يتعلق بالموارد الوراثية للأغذية والزراعة، وعلى الرغم من أهميتها الحيوية لبقاء الإنسان، فإنها عرضة للفقدان بمعدلات تبعث على القلق المتزايد، مما يقلل بصورة جذرية من قدرات الأجيال الحاضرة والمقبلة على معالجة الصدمات البيئية غير المتوقعة والاحتياجات المتغيرة. وما من بلد مكتف ذاتيا فيما يتصل بالموارد الوراثية للأغذية والزراعة. والموارد الوراثية توفر المادة الخام للتكنولوجيا الحيوية. وفي حين استطاع العالم الصناعي أن يستحدث الآليات القانونية الاقتصادية، مثل حقوق الملكية الفكرية، لتوفير الحوافز لاستنباط تكنولوجيات حيوية جديدة ولتعويض مخترعيها، لا توجد حتى الآن آليات اقتصادية أو قانونية فعالة لتعويض وتقديم الحوافز لمستنبطي المادة الخام، ألا وهي الموارد الوراثية نفسها. وهم، أساسا، المزارعون التقليديون في البلدان النامية.

43 - وفي هذا السياق، تجرى هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة في المنظمة، مفاوضات حاليا لتعديل التعهد الدولي بشأن الموارد الوراثية النباتية بما يتسق مع اتفاقية التنوع البيولوجي، على أساس صك دولي ملزم بنظم إمكانية الوصول إلى الموارد الوراثية للأغذية والزراعة واقتسام المنافع المستمدة منها. ومن النماذج الأخرى لمساهمة المنظمة، في الآونة الأخيرة، في صيانة السلع العالمية العامة واستخدامها المستدام، مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد التي أقرها مؤتمر المنظمة في 1995.

44 - وتمثل عمليات العولمة فرصا ومخاطر، في آن واحد، بالنسبة للقطاعات الزراعية للبلدان النامية. ونظرا لأن الزراعة تظل هي القطاع الأهم في معظم البلدان النامية ومصدرها الرئيسي للصادرات، فإن تخفيض الحواجز أمام التجارة يوسع من فرصها لزيادة الإنتاج القطاعي. بيد أن العولمة تثير مخاطر التهميش للبلدان التي تظل، بسبب إمكانياتها من الموارد، وموقعها، وحجمها أو افتقارها إلى المهارات والبنى الأساسية، غير قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية وغير قادرة على جذب الاستثمارات. كما أن العولمة تحمل معها، كما تبدى جليا خلال السنوات التي أعقبت انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية، خطر التأثيرات التراكمية لعدم استقرار النظم المالية الدولية والتقلبات في أداء اقتصاديات العالم الكبرى، على البلدان التي أصبحت تعتمد اعتمادا بالغا على التجارة الخارجية والاستثمار. وأكثر البلدان تعرضا لهذه الصدمات، بوجه خاص، هي البلدان التي تصدر عددا محصورا من السلع، مما ترتب عنه عواقب وخيمة على سبل المعيشة والأمن الغذائي لتجمعات المزارعين من سكانها.

45 - ولقد شهدت السنوات الست الأخيرة تنفيذ اتفاقات جولة أوروغواي، التي وضعت الزراعة ضمن إطار الجات/ منظمة التجارة العالمية للمرة الأولى. وتباينت الخبرات، حين ساهم الاتفاق بشأن الزراعة في تطوير السياسات المحلية والتجارة من جديد، فإن التغيرات الفعلية في مستويات الدعم والحماية لم تكن عميقة على نحو كاف لكي يحدث الاتفاق تأثيرات ملموسة على التجارة العالمية والدخول. وبناء على هذا، فإن إجمالي الدعم الذي قدمته بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمزارعيها بلغ 356 مليار دولار في عام 1999 وحده(15). وتظل الرسوم الجمركية الزراعية عالية، خاصة بالنسبة لمنتجات المناطق المعتدلة من البستنة، والسكر، والحبوب، ومنتجات الألبان، واللحوم. ويظل تصاعد الرسوم يوفر حماية خاصة للأغذية المصنعة، لاسيما الأشكال ذات القيمة المضافة من البن، والكاكاو، والبذور الزيتية في البلدان المستوردة. كما أن التعقيد الذي تتميز به نظم الاستيراد والوصول إلى حصص معدلات الرسوم، إضافة إلى تكاليف الامتثال لمواصفات الصحة والصحة النباتية، والحواجز التقنية أمام التجارة، تظل تشكل عوائق أمام توسع السوق قد يصبح من المستحيل التغلب عليها، خاصة بالنسبة للاقتصاديات الصغيرة.

46 - ويتوقف مدى استفادة البلدان النامية من فرص السوق الجديدة الناشئة عن العولمة، في نهاية المطاف، على قدراتها التنافسية وعلى قدرتها لزيادة انتاجها من السلع التي عليها طلب. وقد يستلزم هذا استثمارات كبيرة في البني الأساسية والتكنولوجيا والاتصالات بهدف تخفيض التكاليف والإسراع في عمليات النقل. بيد أنها تستوجب أيضا تنمية القدرات المؤسسية لوضع مواصفات عالية وإنفاذها، ولتدريب المزارعين على إنتاج سلع قابلة للتسويق ذات مواصفات عالية. ويتوقف زيادة حجم الإمدادات وضمان تدفق مستمر من المنتجات، على العمل الجماعي للمزارعين، الذين يتجهون في العادة نحو تعزيز الصلات مع القطاع الخاص من خلال خطط الزراعة التعاقدية.

47 - وتحسبا لما ينشأ عن تحرير التجارة من مشكلات انتقالية بالنسبة لبعض البلدان النامية المستوردة للأغذية، اتخذت بعض التدابير التعويضية في إطار مقرر مراكش بشأن التدابير المتعلقة بالآثار السلبية الناجمة عن عملية الإصلاح في أقل البلدان نموا، والبلدان النامية المستوردة الصافية للسلع الغذائية. وقد نجم عن الفشل في اتخاذ قرارات فعالة إلى نشوء خطر يتعلق بتقويض الثقة بعدالة النظام الدولي في التعامل مع تلك البلدان النامية التي اتخذت خطوات لتحرير نظمها التجارية. ولقد اقترحت المنظمة مؤخرا بدائل لجعل المقرر فعال (16).

48 - كانت المساهمة الكبيرة التي يمكن أن تقدمها فرص التوسع في التجارة في التنمية الاقتصادية لأقل البلدان نموا، موضع اهتمام كبير من جانب الاتحاد الأوروبي(17)، الذي سيستضيف مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بأقل البلدان نموا، في مدينة بروكسل في شهر مايو/ أيار 2001(18). فالقرار الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بإلغاء التعريفة الجمركية وتحرير الحصص المستوردة من صادرات أقل البلدان نمـــوا باستثناء السلاح بمقتضى مبادرته التي تحمـــل اسم "كل شئ عدا السلاح"، هو تحرك ملموس نحو تنفيذ السياسات الجديدة للاتحاد في مجال التنمية. كما أعلنت نيوزيلندا وكندا والنرويـــج عن إجراءات مماثلــة لمصلحة أقل البلدان نموا (19). وقد قبلت المنظمة - كجزء من نشاط مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بأقل البلدان نموا - مسؤولية تنظيم اجتماع مواضيعي خاص بشأن "قطاع الزراعة، والأمن الغذائي".

49 - وأهم قضية تتعلق بالعولمة وتحرير التجارة، هي توزيع الفوائد الكلية التي ستنجم عنهما. فتخفيض حماية الأسواق من جانب البلدان المتقدمة، وتخفيض القيود على حركة الأيدي العاملة في العالم، مع الاقتسام الهادف لإنجازات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يمكن أن يؤدي كلها إلى ضمان مساهمة العولمة في عالم أكثر عدلا كما توقعه إعلان الألفية(20)، وفي تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية بصورة خاصة.

50 -وقد بدأت منظمة التجارة العالمية المفاوضات بشأن الزراعة في شهر فبراير/ شباط عام 2000، على أن تجرى هذه المفاوضات على مرحلتين رئيسيتين من خلال سلسلة من الاجتماعات الخاصة تعقدها لجنة الزراعة التابعة لمنظمة التجارة العالمية. وستستكمل المرحلة الأولى في مارس/آذار 2001 بعقد اجتماع لتقييم المقترحات التي قدمها الأعضاء للتفاوض. وسيوافق هذا الاجتماع على برنامج عمل وجدول زمني للمرحلة الثانية من المفاوضات التي ستتدارس بعمق جميع القضايا والخيارات ذات الصلة بإصلاح السياسات التي وردت في مقترحات الأعضاء. وسينعقد اجتماع لاستعراض مدى التقدم في المفاوضات في مارس/آذار 2002. وتمت الموافقة على عمل البرنامج ومواعيد تنفيذه بحيث لا تتضارب مع القرارات التي قد يتخذها المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية الذي من المقرر عقده في الفترة من 9 إلى 13/11/2001 في دولة قطر..

51 - للمنظمة سجل طويل من العمل في القضايا المتعلقة بالتجارة في السلع والمستلزمات الزراعية، حيث ترفع تقاريرها إلى لجنة مشكلات السلع، والجماعات الحكومية الدولية المنبثقة عنها. ولكن المنظمة زادت من مساعداتها إلى البلدان النامية بمقتضى الالتزام الرابع من خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية في "مساعدة البلدان النامية على الاستعداد للمفاوضات التجارية متعددة الأطراف، بما في ذلك المفاوضات المتعلقة بالزراعة ومصايد الأسماك والغابات عن طريق جملة أمور منها الدراسات والتحليلات والأنشطة التدريبية". وقد نشرت المنظمة عدة تقديرات عن تأثير جولة مفاوضات أوروغواي على الأسواق الزراعية والأمن الغذائي، بالإضافة إلى مجلد عن تجارب البلدان النامية في تنفيذ اتفاقية الزراعة التي وضعتها منظمة التجارة العالمية. ومازالت المنظمة تقوم بدور المنتدى الحكومي الدولي لمناقشة صكوك ذات الصلة المعنية بشكل خاص بوضع المعايير، مثل ما وضعته هيئة الدستور الغذائي (معايير جودة الأغذية وسلامتها) والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات (معايير الصحة النباتية). وفيما يتعلق بالاتفاقية الدولية لوقاية النباتات أنشأت المنظمة منتدى حكوميا دوليا وآلية لوضع المواصفات وإجراءات استجابة للمستجدات التي طرأت على الاتفاق بشأن تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد زادت المنظمة من برامج المساعدة التقنية والتدريب وتوسعت فيها، بهدف بناء قدرات البلدان الأعضاء لكي تفي بالتزاماتها ولكي تشارك في المفاوضات التجارية بشأن الزراعة كشركاء على قدم المساواة وحسنة الاطلاع. وقد ركزت الاستراتيجيات الإقليمية للأمن الغذائي، التي أعدتها المنظمة مع أمانات التجمعات الاقتصادية الإقليمية على وضع إطار قانوني وتنظيمي، وإقامة المؤسسات والقدرات العلمية لإقرار مواصفات الدستور الغذائي والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات، وتنفيذ ها بمقتضى اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن تدابير الصحة والصحة النباتية.

سادسا - سلامة الأغذية

52 - إن سلامة الأغذية شئ كامن في مفهوم الأمن الغذائي. فهي تتصل بجوانب عديدة من تكنولوجيات الإنتاج الزراعي، وتناول الأغذية وتجهيزها، والتجارة والتوزيع، كما سبق أن لاحظنا في هذه الوثيقة. إن أسباب وفئات المخاطر التي تهدد سلامة الأغذية كثيرة. فمن بينها ما يرجع إلى أسباب ميكروبية -بيولوجية، والملوثات التي تدخل في سلسلة الأغذية، ومخلفات المدخلات التي تستخدم في الإنتاج الزراعي ونظم التصنيع. ومن أهم هذه المشكلات هي الأمراض التي تسببها الأغذية والتي ترجع إلى أسباب ميكروبية - بيولوجية، نظرا لإمكانية حدوثها وتفشيها: فهي تحدث في جميع مراحل سلسلة الأغذية، بالإضافة إلى أن طرق تقدير ومكافحة الأخطار المرتبطة بها بحاجة إلى تحسين.

53 - وقد زاد وعي الجماهير بالقضايا المتعلقة بسلامة الأغذية زيادة هائلة، وعلى الأخص في البلدان المتقدمة، في السنوات الخمس التي أعقبت مؤتمر القمة العالمي للأغذية، وعلى رأسها الاهتمام بمرض جنون البقر، والتقارير عن الكائنات الدقيقة في الطعام المقاومة للمضادات الحيوية، وأزمة الديوكسين في عام 1999، وظهور العديد من الأمراض التي تحملها الأغذية بسبب تلوث الأغذية بالميكروبات، وظهور أنواع من الذرة المحورة وراثيا في أطعمة الإنسان، رغم أنها معتمدة للأعلاف الحيوانية فقط. والعنصر المشترك في كثير من هذه الأزمات، هو أن الرأي العام كان متفقا على أن الإجراءات المطبقة ليست فعالة ولا تطبق بكفاءة، أو أنها تطبق لمصلحة زيادة التجارة ومنافع المنتجين أو الصناعة فقط، ولا تكون بالضرورة لمصلحة المستهلكين.

54 - ولاشك أن جماعات الضغط التي يشكلها المستهلكون في البلدان النامية ليس لها صوت مرتفع، كما أن القواعد التنظيمية ليست فعالة. فعندما تكون ظروف النظافة العامة سيئة، نظرا لنقص مياه الشرب النقية في أغلب الأحيان، ينتشر تلوث الأغذية ومياه الشرب بالميكروبات، وتصبح هذه الظروف السيئة مصدرا رئيسيا للمرض والموت، وعلى الأخص بين الأطفال. كما أن سوء استخدام المبيدات يؤدي إلى وجود مخلفاتها بدرجة غير مقبولة طبقا لمعايير الدستور الغذائي وأغلب التشريعات القطرية. وتواصل الاجتماعات المشتركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية بشأن مخلفات المبيدات تقييم المبيدات التي تقترحها المصانع المنتجة للاستخدام، وتقديم توصيات لهيئة الدستور الغذائي والبلدان الأعضاء بشأن الحد الأقصى المسموح به من بقايا المبيدات في الأغذية. وبالمقابل، تواصل لجنة الخبراء بشأن المواد المضافة إلى الأغذية المشتركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية تقييم المواد المضافة إلى الأغذية والعقاقير البيطرية والملوثات البيئية، وتقديم توصيات بشأن المستويات غير المضرة لهذه المركبات في الأغذية.

55 - وبدأ الآن تطبيق إجراءات محسنة لإدارة سلامة الأغذية، تقوم على المبادئ التي وضعتها هيئة الدستور الغذائي، بهدف الحد من الأخطار الميكروبيولوجية. وتقدم مجموعة الخبراء المشاركة بين المنظمة ومنظمة الصحة العالمية استشارات علمية، تحسّن من آفاق التحكم في بعض ملوثات البيئة في الأغذية، وعلى الأخص السموم الفطرية. فالإجراءات الفعالة لسحب السلع من الأسواق، قللت من تأثير أزمة الديوكسين ومن إطالة فترتها، كما أنها تطبق الآن في حالة الذرة المحورة وراثيا للأعلاف الحيوانية. كما كان هناك ما يشبه توافق الآراء في الهيئة بشأن المبادئ العامة التي ينبغي تطبيقها لضمان سلامة الأغذية فيما يتعلق باستخدامات التكنولوجيا الحيوية في الزراعة والصناعات الغذائية، كما أنه يولى الآن اهتمام خاص لمسألة احتمال انتقال الحساسية إلى الأصناف النباتية المحورة وراثيا.

56 - ورغم ذلك، فإن هناك نداءات من أجل اتخاذ تدابير لضمان سلامة الأغذية تقوم على مجموعة من العوامل أوسع من مجرد التقييم العلمي للمخاطر التي تتعرض لها صحة الإنسان. وإزاء ما هو مفهوم من أن نظم مراقبة الأغذية عاجزة عن توفير الضمانات الكافية للسلامة، فإن هناك إجراءات إضافية تقترح الآن لتعطي سلسلة مستمرة من توثيق أصل وطبيعة كل سلعة غذائية أو مكون غذائي. فمثل هذه الإجراءات قد تضع عقبات جديدة أمام قدرة البلدان على تحقيق أمنها الغذائي، وقد يكون لها أثارها على التجارة الدولية.

57 - هناك جهود تبذل على المستوى الدولي لزيادة التركيز على قضايا سلامة الأغذية، مع التركيز بشكل خاص على الأساس العلمي لاتخاذ القرار، وعلى الاحتراس عندما لا تكفي القاعدة العلمية. وتشارك المنظمة مع منظمة الصحة العالمية والمكتب الدولي للأوبئة الحيوانية في تنظيم مشاورة خبراء بشأن "مرض جنون البقر ومخاطره: الصحة الحيوانية والصحة العامة والتجارة الدولية". ومن خلال التعاون مع منظمة الصحة العالمية، تخطط المنظمة لعقد مؤتمر للبلدان الأوروبية بشأن سلامة الأغذية من المعتزم عقده في أوائل عام 2002، إلى جانب اجتماعات دولية لواضعي اللوائح الخاصة بسلامة الأغذية بهدف مناقشة القضايا المتعلقة بصناعة القرار على أساس علمي، والترويج لتبادل المعلومات بشأن إدارة سلامة الأغذية. وأقيمت أنظمة إقليمية ودولية للإنذار السريع، أو هي في الطريق، لتطويق وتقليل تأثير الأزمات المتعلقة بسلامة الأغذية في المستقبل.

سابعا - الحق في الغذاء

58 - لجميع القضايا التي تم استعراضها أعلاه تأثيرات جوهرية على قدرة العالم على تلبية الاحتياجات الغذائية لشعوبه، والمحافظة على موارده الطبيعية في حالة جيدة للأجيال القادمة. والواقع أن وجود نحو 792 مليون نسمة في البلدان النامية و34 مليون نسمة في العالم المتقدم يعانون من الجوع المزمن على الرغم من النجاح الذي حققه المزارعون في توفير أغذية كافية لتلبية احتياجات كل فرد، وأن هناك دلائل واسعة النطاق على تدهور الأراضي، كل ذلك يعني أن هناك قصورا خطيرا في الطريقة التي نمارس بها مسؤولياتنا وممارسة سيطرتنا على موارد العالم. فالاختلال في الحصول على الأغذية والتكنولوجيا، والأضرار التي لحقت بالموارد الطبيعية ذات الصلة ببعض طرق الزراعة، والتقدم العلمي، وتآكل التنوع البيولوجي، والأخطار التي تتعرض لها استدامة المصايد البحرية، والقيود المفروضة على التجارة التي تحول دون البلدان وممارسة ميزاتها النسبية والاستفادة منها، كلها قضايا تنطوي على أبعاد أخلاقية هامة. فالنظر إلى هذه القضايا من منظور أخلاقي ويتعلق بحقوق الإنسان قد يسهم في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الطريقة التي يمكن بها معالجتها بصورة أفضل تحقيقا للمصلحة المشتركة للبشر، والاهتمام ببعض الاعتبارات الهامة التي قد لا تسند لها الأهمية الكافية لدى اتخاذ القرارات المتعلقة أساسا بالأسباب الفنية والاقتصادية أو تركها لعوامل السوق وحدها.

59 - وكان من بين نتائج مؤتمر القمة العالمي للأغذية ذلك الاهتمام الكبير، الذي ظهر في السنوات الأخيرة، بانعكاسات الحق في الغذاء، الذي يشكل حقا أساسيا من حقوق الإنسان المعترف بها في إطار القانون الدولي على النحو الوارد في التعهد الدولي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويعني الحق في الغذاء حق كل إنسان في الحصول على وسائل إنتاج أو شراء الأغذية الكافية من حيث الكم والكيف، والحالية من المواد الضارة والمقبولة من الناحية الثقافية(21). وقد تمت معالجة الموضوعات الخاصة بتفسير هذا الحق واستكشاف طرق تنفيذه بواسطة البلدان في سلسلة من المشاورات عقدها المفوض السامي لحقوق الإنسان بمشاركة منظمة الأغذية والزراعة، مما أدى إلى تزايد الإدراك بدور كل من الأفراد وأسرهم والمجتمعات الريفية ومختلف مستويات الدولة في ضمان الحق في الغذاء(22). واتخذ عدد من البلدان خطوات لتفعيل الحق في الغذاء في سياساتها وبرامجها الخاصة بإدارة الزراعة والأغذية، مما وفر خبرات قد تود البلدان الأخرى محاكاتها لدى سعيها إلى تحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية.

60 - وسعيا إلى تحسين قدرات معالجة القضايا الأخلاقية، أنشأت المنظمة عام 2000 فريق خبراء بارزين مستقل معنى بمبادئ الأخلاق في الأغذية والزراعة، يتألف من ثمانية خبراء دوليين. وقد بدأ فريق الخبراء في تحليل طائفة من القضايا الأخلاقية الناشئة عن إنتاج الأغذية وممارسات استهلاكها والتنمية الزراعية بما في ذلك الغابات ومصايد الأسماك ضمن سياق الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة وفي مناخ من التغييرات العالمية السريعة. والهدف هو توفير مساهمات محايدة وموضوعية في المداولات العامة وعمليات اتخاذ القرار(23). وبدأت المنظمة في 2001، ضمن هذه العملية، في إصدار سلسلة مبادئ الأخلاق بدأتها بمطبوع قضايا الأخلاق في الأغذية والزراعة والكائنات المحورة وراثيا والمستهلكين وسلامة الأغذية والبيئة(24)

ثامنا - ملاحظات ختامية

61 - من الواضح تماما من هذا الاستعراض السريع أن الزراعة والأمن الغذائي، محليا وعالميا، يتعرضان لمخاطر عديدة، يصعب التنبؤ بها في أغلب الأحيان. وربما كانت هذه الأخطار - أو توقعاتها على أي حال - مبالغ فيها، مع ما هو مطلوب من الزراعة لتلبية الطلب المتزايد، مع تكيف نظم الأغذية لتستجيب للتوسع العمراني السريع، ومع زيادة الروابط بين أطراف العالم بتسارع العولمة. ولكن في نفس الوقت، فإن العولمة والإنجازات السريعة الحالية في التكنولوجيا والاتصالات، تستطيع - إذا أحسنت إدارتها - أن تتيح فرصا جديدة أمام التنمية الاقتصادية، وبزوغ عالم أكثر عدلا.

62 - والكثير من التحديات التي تواجه قطاعات الزراعة والغابات ومصايد الأسماك، لها أبعادها العالمية. فالآفات والأمراض تعبر الحدود القطرية والمحيطات بسهولة، ونظم التربية الحيوانية الكثيفة في بلد ما أو قطع الأشجار على نطاق واسع في بلد آخر له تأثيره على تغير المناخ العالمي، كما أن تيارات المحيط الهادي تؤثر على الأمطار الموسمية وغزارتها في جنوب آسيا وأمطار شرق أفريقيا، وعدم الامتثال لمدونات السلوك الدولية قد يضر باستدامة مصايد الأسماك العالمية، وتقديم الدعم للزراعة في بلد ما قد يحدد ما إذا كان المزارعون في بلد آخر سيجدون منفذا لتصريف إنتاجهم بصورة مربحة. ونحن مازلنا في بداية الطريق لفهم طبيعة وحجم هذه التفاعلات، وكيف نقلل من تأثيرها من أجل مصلحة العالم.

63 - ولدى معالجة الشكوك والمخاطر، تعتبر الوقاية واتباع التدابير الاحتراسية عموما من بين الإجراءات المفضلة للعمل، رغم ما تبين مرارا وتكرارا من أن تكاليفها الاقتصادية، والمعاناة البشرية الناجمة عنها بسبب التأخر في تطبيقها، باهظة للغاية. فإذا أمكن تلافي أي صراع عن طريق المفاوضات، وأمكن تحذير السكان المعرضين لأي إعصار قبل حدوثه، أو مكافحة مرض من الأمراض التي تهدد الحياة في مكان ظهوره، لأمكن حينئذ إنقاذ حياة الناس وتقليل معاناتهم، وتلافي التكاليف

64 - وإذا كانت الحكومات والمجتمع الدولي، بما فيه منظمة الأغذية والزراعة، تقوم الآن بالكثير في حدود طاقاتها من أجل تنفيذ التزامات مؤتمر القمة العالمي للأغذية المتصلة بالتحديات الجديدة، مازال هناك مجال كبير ومبررات اجتماعية واقتصادية قوية لتحسين القدرة على الاستجابة. فلو أن الأمور سارت سيرا حسنا، لما وجدنا هذه الأعداد الهائلة من البشر على حافة المجاعة في منطقة القرن الأفريقي، ولما ضاعت هذه الأرواح والممتلكات الهائلة في أعقاب الإعصار ميتش في أمريكا اللاتينية، ولما أعدمت مئات الحيوانات في حظائرها في أوروبا، ولما جاع مزارعو الكاكاو في غرب أفريقيا الذين راحوا ضحية انهيار أسعار سلعتهم في الأسواق الدولية.

65 - والنتيجة هي أنه لابد من دراسة دقيقة لمدى كفاية الترتيبات المؤسسية الحالية للتعاون الدولي من أجل مواجهة التحديات العالمية الرئيسية في مجال الأمن الغذائي، سعيا بصورة خاصة وراء قدرة هذه الترتيبات على تلافي الكوارث والرد بالسرعة والمستوى اللازمين للحد من الأضرار المحتملة. كما أن هناك بعدا أطول مدى يتعلق بالتوقيت المناسب، الذي يتصل بضرورة ضمان كفاية الجهود التي تبذل الآن في مجال البحوث وتوليد المعارف، وتوجيهيها توجيها سليما، حتى يمكن تلبية الطلب العالمي على الأغذية في المستقبل بطريقة مستدامة، وعدم الاكتفاء بقوى السوق في المدى القصير والتي لا تعير اهتماما لاحتياجات الأجيال القادمة.

66 - إن التقدم الذي حدث في تكنولوجيا الإشراف والمعلومات والاتصالات يفتح أفاقا جديدة هائلة في مجالات جمع المعلومات واقتسامها وتحليلها وتفسيرها، وكذلك في الإسراع باتخاذ القرارات. فالأثاث العلمي لتبرير الأعمال العالمية - مثل معالجة ظاهرة الاحترار العالمي أو نفاد طبقة الأوزون - أصبحت تزداد قوة، وأصبح هناك كم متزايد من التشريعات والصكوك التي يمكن الاستناد عليها في القيام بأعمال دولية وقطرية تعزز بعضها البعض لمواجهة التهديدات العالمية. ولكن حدث في نفس الوقت تراجع مستمر في الموارد المتاحة على المستوى الدولي من أجل الاستجابة في الوقت المناسب للتهديدات والفرص المتاحة عالميا.

67 - إن النقص في توفير السلع العامة العالمية يشكل قضية حظيت باهتمام كبير في ضوء إدارة البيئة العالمية من خلال جدول أعمال القرن 21، وإدى إلى إنشاء أدوات جديدة مثل مرفق البيئة العالمي. ويثور في الوقت الحاضر الكثير من المداولات العامة بشأن السلع العامة العالمية في مجالات الصحة وخاصة فيما يتعلق بنقص الاستثمارات اللازمة لاستحداث التكنولوجيات، التي في متناول اليد، للحد من تزايد الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة، والملاريا والسل في البلاد النامية، حيث شعرت الأعمال الخيرية الخاصة بأنها مضطرة إلى التدخل لإنقاذ البرامج الدولية التي تعاني من نقص الموارد. كما تتطلب قضية توفير السلع العامة العالمية تحليلا دقيقا فيما يتعلق بضمان الأمن الغذائي العالمى (بما في ذلك سلامة الأغذية) واستدامة الزراعة في المدى الطويل، وهي القضية التي تعتبر ذات صلة كبيرة بالوفاء بكل التزام من الالتزامات الواردة في خطة العمل الصادرة عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية. ولذا فإنها قضية سوف توليها المنظمة قدرا أكبر من الاهتمام بالتشاور مع حكوماتها الأعضاء والوكالات الدولية الأخرى التي تعنى بتوفير السلع العامة العالمية

68 - إن نطاق ومستوى وتكاليف القضايا الأساسية التي تؤثر الآن على الزراعة والأمن الغذائي وسلامة الأغذية، تشكل مستوى رهيبا؛ وتتنافس فيما بينها من أجل جذب الانتباه السياسي سواء أكان دوليا أو داخل البلدان المختلفة. إن ازدحام جداول الأعمال بهذا الشكل الكبير، وحدوث سلسلة من حالات الطوارئ التي تطلبت تدخلا فوريا، قد يساعد في تفسير ما أقدم عليه عدد قليل من البلدان - سواء المتقدمة أو النامية - من معالجة مسألة الجوع المزمن بالإصرار والالتزام المطلوبين لتحقيق هدف مؤتمر القمة العالمي للأغذية. فهذا المؤتمر الأخير لم ينعقد إلا بسبب ظهور علامات على عدم الاكتراث العام والتخلي عن الالتزامات، كما ظهر في التخفيض المستمر في الموارد المحلية والدولية المخصصة للتنمية الزراعية والأمن الغذائي.

69 - إن الثماني مائة مليون نسمة الذين يعانون من نقص التغذية المزمن، لا يصنعون عناوين الأخبار. فهم ليسوا أصحاب أصوات عالية في بلدانهم، بل إن هذه الأصوات تزداد انخفاضا في المجتمع الدولي. فهم أفقر الفقراء. ولكن الذي حدث في عام 1996، هو أن كل دولة من دول العالم تقريبا ألزمت نفسها بهدف تخفيض عدد الذين يعانون من نقص التغذية إلى النصف بحلول عام 2015. فهذا الالتزام مازال قائما، ولابد من الوفاء به. والتحدي الذي يواجهنا الآن هو أن نقرر كيف نترجم هذا الالتزام إلى حقيقة واقعة، رغم الطلبات الملحة لكل المشكلات الحادة الأخرى التي تواجه الزراعة في مختلف أنحاء العالم.

70 - وبغية المساهمة في تعزيز الإصرار على القيام بتدابير محددة، سعت المنظمة إلى تركيز الانتباه على تحديين رئيسيين، هما تعزيز الإرادة السياسية وتعبئة الموارد من أجل مكافحة الجوع. وكما سبقت الإشارة، فإن هناك وثيقتي معلومات أساسيتين عن هاتين القضيتين، مطروحتان بشكل منفصل على لجنة الأمن الغذائي للعلم.


(1) المنظمة، الإطار الاستراتيجي للمنظمة 2000-2015، روما، 1999.
(2) المنظمة، تقرير مؤتمر القمة العالمي للأغذية، 13-17/11/1996، الجزء الأول، روما 1997.
(3) المنظمة، مبادئ الأخلاق في الأغذية والزراعة، روما 2001.
(4) للترجمة
(5) حالة الأغذية والزراعة لعام 2000 (الفصل الخاص بالصراعات والزراعة والأمن الغذائي)، المنظمة، روما، 2000.
(6) لجنة الزراعة في المنظمة (الدورة السادسة عشرة) الحد من تعرض الزراعة للكوارث ذات الصلة بالعواصف.
(7) "استئصال انعدام الأمن الغذائي من القرن الأفريقي"، روما، المنظمة 2000.
(8) لجنة الزراعة (الدورة السادسة عشرة) تقرير عن سير العمل في تنفيذ جدول أعمال القرن 21: المعالم البارزة لمساهمة المنظمة، روما، 2000.
(9) زادت التجارة الدولية في الحبوب من زهاء 30 مليون طن قبل الحرب العالمية الثانية، إلى 225 مليون طن سنويا الآن.
(10) يرجى الرجوع إلى "الزراعة في 2015:2030" الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة، روما، 2000.
(11) لجنة الزراعة، منظمة الأغذية والزراعة (الدورة السادسة عشرة): تقرير جماعة العمل المشتركة بين المصالح المعنية بالزراعة العضوية، روما، 2001.
(12) لجنة الزراعة، المنظمة (الدورة الخامسة عشرة) التكنولوجيا الحيوية، روما، 1999. عملت المنظمة بنشاط، من خلال القسم المشترك مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في استحداث طرق التوصيف الجزيئي لتحسين المحاصيل، وفي الترويج لاستخدام الاختيارات الجديدة لتشخيص الأمراض الحيوانية (الطاعون البقري والحمى القلاعية).
(13) أنظر، على الأخص، المنظمة، الكائنات المحورة وراثيا، المستهلكون، سلامة الأغذية والبيئة، روما، 2001.
(14) لجنة الزراعة، المنظمة، (الدورة السادسة عشرة): تقرير جماعة العمل المشتركة بين المصالح المعنية بالتكنولوجيا الحيوية، روما، 2001.
(15) منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والسياسات الزراعية في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: الرصد والتقييم، باريس، 2000.
(16) المنظمة، صوب جعل تنفيذ مقرر مراكش فعالا، روما، فبراير/ شباط 2001.
(17) European Union, La Politique de Devoloppement de la Communaute Eureopeenne, Brussels 2000.
(18) من أجل مراجع شاملة لتأثير قضايا العولمة وتحرير التجارة على أقل البلدان نموا، أنظر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتجارة والتنمية، تقرير أقل البلدان نموا لعام 2000، نيويورك وجنيف 2000.
(19)أشير كذلك إلى مبادرة الولايات المتحدة لتنمية أفريقيا وإنعاشها، وهي جزء من قانون التجارة والتنمية الأمريكي لعام 2000، والذي ستستفيد منه أقل البلدان نموا في أفريقيا.
(20) الأمم المتحدة "نحن الشعوب" - دور الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين - تقرير الأمين العام عن الألفية، نيويورك 2000.
(21) لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الدورة العشرون) التعليق العام 12 (E/C.12/1999/5)، الحق في الغذاء الكافي (المادة 11)، 12/5/1999، الفقرتان 6و8 على وجه الخصوص.
(22) لدراسة القضايا المتعلقة بالحق في الغذاء بصورة أكمل، أنظر ورقة المعلومات المتعلقة بتعزيز الإرادة السياسية لمكافحة الجوع.
(23) المنظمة، تقرير مجموعة الخبراء البارزين بشأن الأخلاقيات في الأغذية والزراعة، الدورة الأولى، 26-28/9/2000، روما، 2001
(24) سلسلة مبادئ الأخلاق، العددان 1 و2 على التوالي، المنظمة، روما، 2001.